ألماني يروي قصة 11 شهراً من المعاناة لاستضافته للاجئ سوري!
نشر رجل ألماني تفاصيل قصة لاجئ سوري شاب، آواه في منزله لمدة عام تقريباً، قبل أن يقوم بإخراجه مكرهاً إلى منزل آخر، بعد أن ضاق به ذرعاً، وبتصرفاته اللامسؤولة، وإهماله وتسيبه الدراسي.
وكتب هانس كوخ في صحيفة “تاغس أنتسايغر” السويسرية اليومية (ناطقة بالألمانية مقرها زيوريخ تأسست عام 1893)، في الأول من شهر أيلول الجاري، بحسب ما ترجم موقع أحلى عالم، عن تجربته الخاصة في “العمل الإغاثي الذي فشل”، وقال: “أحد عشر شهراً يعيش معنا لاجئ سوري شاب، لكننا تعبنا، وهو لا يريد مغادرة المنزل”.
وروى الرجل الألماني قصته كاملة مع الشاب السوري، الذي أطلق عليه اسم “كريم” (وهمي)، وقال إنه يبلغ من العمر 21 عاماً.
الإمارات : إلغاء تأشيرة الدخول بشكل نهائي للسوريين واليمنيين
وفي التفاصيل، قال الرجل الألماني: “في شهر أيار من عام 2016، اتصلت بي ابنتي البالغة من العمر 19 عاماً، وأنا في المكتب، وقالت إنها تعرفت على لاجئ في أحد النوادي الليلة، وكان يحتاج إلى المبيت، قلت: لا بأس في ذلك لبضعة أيام، ربما هذا ما قلته لنفسي حينها، لست متأكداً”.
وأضاف: “عندما عدت إلى المنزل، كانت ابنتي قد وضعت بالفعل فراشاً في زاوية من غرفتها، وكان ابني البالغ من العمر 16 عاما، عائدا للتو من المدرسة، وكان يتحدث إلى كريم.
الشاب خجول، ونحن أيضاً خجولون، كان كريم يجلس في غرفة المعيشة على حافة الأريكة، وينقر في هاتفه المحمول، طلبت منه أن نجلس في المطبخ، وبدأ يتحدث عن مدينته “الباب” السورية، التي كانت في ذلك الوقت تحت سيطرة داعش.
في عيد الفطر من عام 2015 غادر كريم منزل عائلته للتسوق، وحين عاد، وجد البيت متحولاً إلى ركام، بعد أن أصابه صاروخ، توفيت أمه ووالده وشقيقه الصغير، وبعد أن تم دفن عائلته غادر عبر تركيا، وبعدها في قارب مطاطي إلى جزيرة ليسبوس اليونانية، ومن طريق البلقان، وصل إلى ألمانيا، إلى بلدة صغيرة بالقرب من برلين في البداية.
وعرض الشاب بعد ذلك لي صور عائلته، ماذا يمكن للمرء أن يقوله في هذه الحال؟ بعد ذلك ذهبنا إلى أحد المقاصف لتناول الطعام، التقط الشاب من الرصيف ورقة ورماها في سلة المهملات.. انطباع أول جيد”.
وتابع المستضيف الألماني: أشعر أنني بحالة جيدة لما أقوم به، استمر تدفق اللاجئين في ذلك العام، إلى أن أصبح عددهم مليون لاجئ، المساعدة الآن تبدو ملحة وضرورية، وأود أن أشارك في ذلك. سألني كريم، بعد عدة أيام من إقامته: إلى متى يمكنني البقاء معكم؟ أجبته: حتى نجد شقة لك.
وفي المساء دعيت من قبل الأصدقاء، العديد منهم كان لديهم سوريون في منازلهم، وكانت الأحاديث تبدأ بمثل هذه الجمل: لاجئنا في الأمس قام بـ…، نعم، لقد كنا من نادي معجبي ميركل، على الرغم من أننا لا ننتخب حزبها.
وسارت الأمور بشكل جيد مع كريم، فقد حصل على الإقامة لمدة ثلاث سنوات، وعلى جواز سفر، وبطاقة تأمين صحي، ودعم مالي من الدولة، وإجازة للعمل.
ولأن منزل اللاجئين الذي كان يقيم فيه يحتاج إلى إعادة بناء، فيجب عليه أن يجد مكاناً جديداً للإيواء، لذلك قمنا بتسجيل عنوانه في منزلنا ببرلين.
سجل كريم بعد ذلك في دورة اللغة، التي تبدأ دروسها كل يوم في الساعة 1.30 ظهراً، كنت أوقظه كل صباح قبل أن أذهب إلى العمل، كان يستيقظ قليلاً، ثم يعود إلى النوم، وعندما كنت أعود إلى البيت بعد الظهر، كنت أجد بأنه ما يزال في السرير.
وبعد ذلك أجده يجلس لساعات عديدة ينظر في هاتفه الجوال للبقاء على اتصال مع عالمه المفقود، مع أعمامه وعماته، أقاربه وأصدقائه.
يرتدي سروالاً عسكرياً وسلسلة في رقبته، يتدلى منها نقش سيف محمد، ويذهب بانتظام إلى صالة الألعاب الرياضية، ويملأ صفحته في فيس بوك بصور تظهر عضلات بطنه، ويتلقى على هذه الصور مئات الإعجابات، ويذهب في ليلتي الجمعة والسبت إلى النوادي الليلية.
يضيف الألماني، بحسب ما ترجم موقع أحلى عالم: يعلمني كريم قليلاً اللغة العربية، يتحدث عن حياته في المنزل، وعن أسرته الكبيرة، هناك حيث يكون المرء دائماً بين الأقارب والأصدقاء، لذلك يتعجب الشاب من نمط حياتنا الفردية.
أنا منفصل عن زوجتي، ويقضي أطفالنا أسبوعاً معي، وأسبوعاً معها، ولأن كلانا لا يملك مساحة إضافية لشخص آخر، سواء في منزلي أو في منزلها، لذلك نأوي أيضاً، أنا وهي، لاجئنا بالتناوب، كلانا نعتبر عائلته البديلة.
الأخصائية النفسية التي تتحدث العربية، والتي طلبنا منها المساعدة، شهدت بأن كريم يعاني من الصدمة النفسية والاكتئاب، فنومه سيء، ويشكو من الكوابيس، وتطارده صور الحرب، وفي بعض الأحيان، حين يوقظه أحد، ينهض مرتعباً، ويجلس في سريره بشكل مستقيم.
وقالت لنا الأخصائية إنه ينبغي علينا أن نعطيه الوقت إلى أن يرتاح، إن هذا الإجراء طويل الأمد، وحين يصل لكريم خبر مقتل أحد أقاربه في سوريا، يشرع بالبكاء، فأضع ذراعي حوله مواسياً.
بدأت أتعرف تدريجياً على الشاب وطباعه، علبة السكر دائماً في غرفته، لأنه يأخذها ولا يعيدها إلى المطبخ، وكرسي المرحاض دائماً مبتل، لأنه يستخدم الماء بدلاً من ورق المرحاض، وبعد الاستحمام، يترك شعره الأسود المتساقط، ويرمي المناشف المبللة في سلة الغسيل، ويحب أن يدير الغسالة فقط لزوجين من الجوارب وثلاثة سراويل داخلية.
خلال إقامته معنا، التي استمرت لأحد عشر شهراً، لم يقم بتنظيف الشقة إلا مرتين فقط، كنت أواجهه بأعماله المزعجة، لكن هذا لا يغيره إلا قليلاً.
الدين ليس من اهتماماته، فنادراً ما ينشر سجادة الصلاة على الأرض للركوع، والغريب بأنه لا يولي قبلته تجاه مكة، بل نحو الجنوب.
ذات يوم، شممت رائحة عطر أنيقة جداً في المطبخ، ذهبت أفتش في خزانة الحمام، ﻷكتشف بأن كريم قد أفرغ نصف قارورة عطري باهظة الثمن.
جعلني ذلك أتخيل كيف أن الفتيات يتعلقن بعنقه، تأخذهن النشوة بسبب الرائحة، أستيقظ فزعاً من هذا الخيال، فرشاة الأسنان، مزيل العرق، العطور، كل هذه الأمور للاستعمال الشخصي، هل يجب على المرء أن يشرح هذه البديهيات؟ وبعد يومين، يكرر فعلته هذه، قمت بتهديده بأني سوف ألقيه خارج المنزل.
كنت أنبه عليه حين أسافر في عطلة نهاية الأسبوع، بألا يقوم بحفلة مع أصدقائه، عند عودتي وجدت أكياساً بلاستيكية مع زجاجات فارغة في غرفة التخزين، وحين سألت كريم عن ذلك، أجاب بأنه جمعها من الخارج لتبديل الزجاجات والحصول على الفوائد، لكن قال لي جيراني في يوم الاثنين، إن كريم دعا مجموعة من الأصدقاء الذين أثاروا الضجة لوقت طويل، إلى أن اضطر الجيران لأن يطلبوا منه خفض صوت الموسيقى .. “لم أنزعج بهذا الشكل من قبل”، يقول الألماني.
ويضيف هانس كوخ: هل فعل أطفالي بي ما فعله كريم؟ ربما، لكن ما هو السبب الحقيقي الذي جعلني أتضايق تدريجياً من كريم؟ جزء من الجواب: لأن الشاب يعيش في ألمانيا منذ أكثر من عام، ولكنه يعيد للمرة الثالثة دورة اللغة للمبتدئين، ولا يقوم بأي شيء من الواجبات المنزلية، مهاراته اللغوية ضعيفة، لكنه يعتقد بأنه يتحدث جيداً، لذلك ألقي عليه بعض الجمل السريعة لإثبات أنه لا يفهم، وبالفعل هو لا يفهم شيئاً.
أشعر بالسوء لأن الشاب لا يعتمد على نسفه، فهو يعتبر الاعتماد على الأب أو الأم أفضل الخيارات، إنه يتصرف مثل القط لدينا، يتناول الطعام، وينام”.
يمكن للمرء أن يقرأ هذه القصة على هذا النحو: مليون لاجئ قدموا إلى ألمانيا، وفقدت الدولة سيطرتها على ذلك، والعبء الاجتماعي ضخم، ودخل الإرهاب إلى البلاد، والآن، وبعد مرور عام ونصف، نلاحظ العواقب المؤسفة لذلك .. استيقظ الألمان.
سأقوم بإيواء لاجئ آخر، لكن ربما أود أن أقول له منذ البداية، سوف تكون هناك مدة تجربة أربعة أسابيع، ثم نقرر بعدها إن كان بإمكاننا الاستمرار، فقصتي مع كريم ليس لها نهاية جيدة حتى الآن، لكن لا يزال رأيي بأن ألمانيا وأوروبا يجب أن تستقبل اللاجئين، لكن لا يمكننا إنقاذ جميع الناس، ولا يجب أن تفتح الحدود للجميع، نحن بحاجة إلى قانون للهجرة، ونحتاج إلى حماية فعالة للحدود.
ويشير الرجل الألماني إلى أنه توجد قصص أخرى مع اللاجئين أكثر إيجابية، فقد استقبلت جارتان له صبياً أفغانياً، كان مهدداً بالترحيل، واستطاع الشاب النجاح في المدرسة المتوسطة، وقد دعم صديق آخر له شاباً من الكاميرون، الذي أتم مؤخراً تدريباً مهنياً كسائق حافلة.
وقال إنه يعرف بعض السوريين الذين يتحدثون لغة ألمانية لا بأس بها، ويعيشون في مساكنهم الخاصة، ويمضون في طريق مستقبلهم.
وحول تجربته مع كريم، أوضح كوخ أن الشاب كذب عليه أكثر من مرة، وقال: “كنت أسأله: هل ذهبت إلى المدرسة اليوم حتى الساعة الثانية بعد الظهر؟ فيجيب: نعم، بالطبع، وبعد أيام قليلة، تتصل بي إدارة المدرسة، وتخبرني بأنه يغادر عادة في الساعة 12 ظهراً.
لقد تحدثنا معه مراراً وتكراراً، ونصحناه: تعلم اللغة الألمانية أهم شيء، فيقول: نعم، سأتعلم بشكل أكبر، ليعيد نفس الكرة من الإهمال بعد يومين.
وأضاف: “إلى متى يمكننا التسامح مع الإهمال؟ هل يشعر كريم بالصدمة؟ نعم، لكن ذلك ليس بسببي، هو كسول ومدلل، ربما كانت والدته هي من ترتب له كل شيء في سوريا، لقد كان والداه يبحثان له عن زوجة، لكي تفعل كل شيء له، إن هذا النموذج لا يتماشى معنا، فقياساً على معاييرنا، فإن كريم يظهر القليل جداً من المسؤولية الذاتية، وفي زيارة لإحدى الصديقات، قالت لي: في حالتكما، يبدو هذا مثل زواج منته.
وعن إخراج الشاب من المنزل، قال كوخ: “خدمة الطب النفسي الاجتماعي لدائرة المنطقة لا يمكن أن تساعدنا في توفير سكن لكريم، علينا أن نفعل شيئاً ونخطط لانتقاله في نهاية شهر آذار 2017، لذلك بحثنا عن شقة لمدة أسبوع، وعن طريق الأصدقاء والمعارف، والإعلانات، وجدنا في الأول من شهر نيسان غرفة لكريم في سكن مشترك، لكنه رفض، لم يكن يريد العيش مع خمسة غرباء، وبالإضافة إلى ذلك، كانت الشقة الجديدة بعيدة جداً عن مدرسته، فعن طريق القطار يحتاج إلى 25 دقيقة للوصول إلى هناك.
وفي ظهر أحد الأيام الربيعية، قمت بحمل كريم ومتعلقاته في السيارة إلى عنوانه الجديد، منزل لائق، في الطابق الثالث، شقة كبيرة، الغرفة التي استأجرناها على ما يرام، لكن المطبخ والحمام كان متسخاً.
قال كريم: إن هذا مقزز، سوف أموت إذا بقيت هنا، أجبته: ثلاث ساعات من التنظيف، وسوف يبدو المكان جيداً.
ظلت نظرته فارغة، وسحب سكين مطبخ وأخذ يعبث به حول معصمه، لكن اعتقدت بأن النهاية سوف تكون مختلفة إذا رضخت له، لذا فتحت الباب ومضيت.
جلست في السيارة أمام منزله الجديد، وأخذت أفكر، هل سوف أطيق تحمل ذنب الشاب، فيما إذا حصل له شيء؟ كتبت له في واتساب: ماذا تفعل؟ وكانت هذه بعضاً من رسائله الثلاثين:
أنا لا أستطيع أن أكون هنا .. لقد عاد لي المرض الآن .. سوف أموت، لا أستطيع أن أتنفس.
وبدأت أتساءل: ماذا أفعل الآن؟ هل أعيده معي؟ هل هناك احتمال بالانتحار؟ أم أنه مجرد ممارسة للضغط من قبله؟
اتصلت بالطوارئ، التي قدمت وأخذت كريم إلى مركز الطوارئ في المستشفى القريب، قام طبيب نفسي بفحصه لمدة ساعة، وهو يحاول معرفة لماذا لا يريد كريم الانتقال إلى الشقة الجديدة، ما هي المشكلة في ذلك؟
وورد في التقرير الطبي: المريض لا يمكنه البقاء في الشقة المشتركة، سيكون أمراً سيئاً للغاية بالنسبة له، وبسبب حاجز اللغة لا نستطيع تحديد السبب بدقة، ربما هذا يقع في إطار اضطراب ما بعد الصدمة، عرضنا على المريض العلاج في المستشفى، لكنه رفض ذلك، ويبدو أن رغبة الانتحار ما هي إلا رغبة في ابتزاز للسيد كوخ، لا يوجد إشارة على خطر ذاتي حاد”، وعلق على ذلك كوخ: “الجملتان الأخيرتان مهمتان بالنسبة لي”.
غادر كوخ غرفة الطوارئ، وقال لكريم أن يذهب إلى شقته، يتناول الطعام ويستحم ثم ينام، وغداً يمكنهما الالتقاء، مؤكداً على أنه سيذهب إلى المنزل وحيداً.
وأضاف كوخ: “واليوم، بعد خمسة أشهر، أصبح تواصلنا متقطعاً، من حين إلى آخر تصلني رسائله في واتساب، ونحرص على مساعدته في تسيير أموره مع الدولة، لقد أفصح كريم عدة مرات خلال هذه المدة عن رغبته في العودة إلى منزلنا، لكننا شرحنا له بأن هذا الأمر لن يحدث مجدداً.
ويزعم كريم بأنه يعيش الآن في الشارع، لكنني أعتقد بأنه يعيش مع أصدقائه، حتى لو كان كلامه صحيحاً، فأنا رجل ذو ضمير سيء، ولا أستطيع أن أستقبله في شقتي أكثر من ذلك.